الخميس، 7 نوفمبر 2019
نُبذة مبسطة عن الباطنية
تعريف الباطنية :
سمُـيوا ( باطنيـه ) لأعتقادهُم أن لظواهر القرآن وَ الأحاديث ( بواطن ) ، وَ هي عند العقلاء رموز وَ أشارات الى ( واقـع خفي . Hidden Reality ) ، حيث ( الظاهر ) أغلال تتمثل في تكليفات الشرع ، أما في الباطن درجة بلوغ الكمال (١٥٧) ؛ وَ الظاهر بمرتبـة ( الجسد . Soma ) الذي هو سجن لما هُو ( جوهري . Ousia ) لذلك رجح الباطنيـون كفة ماهُو جوهري متخفي على ماهُو ظاهر مُتجسـد ، وَ الذي وقف عندهُ السلـف أي رجال الدين التابعيِن للمدرسـه الصفاتيـه التي تُنسب اليها طائفة أهل السنه وَ الأجماع وَ التي توقفت على الظاهر الجسداني وَ امتنعت عن الخوض في الباطن . وَ رجُوعاً للمدرسـه الباطنيـه فهِي تُعتبر وريثة ( الثيولوجيـا القديمه . Prisca Theologia ) التي أرتبطت بالمدرسـه الأفلاطونيـه وَ الذي في محاوراتهُ أعتبر أن الأساطير مجاز / رمز لـ ( تاريـخ روحي . Spiritual History ) يكمـن معناهُ خارج عالم الظلال الذي نعيـش فيه داخل الكهـف ، وَ هذا ماسيذكرهُ الأنجيل المنحُول ( Gospel of Philip ) عن الحقيقـه التِي يقُول عنها : لا تهبـط للعالم عاريـه لكن تحُجِـب نفسها بـ ( نماذج . Types ) وَ ( صُور . Images ) ؛ وَ على هذا الأساس فإن الباطنيـون لم يتُوقف أعتقادهِم بالبُعد الباطني للنص القرآني فقط ، بل أمتد أيضاً للامام نفسـهُ الذي صار ( شبحاً ) بحيث صورتهُ المُتجسـده من لحم وَ دم لم ينُظر إليها إلا كوهم مثلما كان اعتقاد أصحاب مُعتقد الـ ( دوسيتيـه . Docetism ) المسيحيين بالمسيـح ..!
أصل الحركـه :
تمـركزت الدعوة الباطنيـه على عدة رجال وَ أنتظمت كحركه سريـه في سجن والي العراق ، حيث هناك التقى أحد موالي وَ تلميذ الأمام جعفر الصادق وَ الباقر المدعُو ( عبدالله بن ميمون القداح ) بالشعوبي الفارسي ( محمد بن الحسيـن الدندان ) وَ التقائهُما في السجـن كان بداية تأسيس مذهبهُم السرانِي ، الذِي ظل دعَوه بالسر ، فيظهر عبدالله بن ميمون لاحقاً في سواد الكوفـه حيث هناك يلتقـي بأكار / بقار نبطي / كلداني في قريـه تعرف بـ ( قـس بهرام ) يُدعى ( حمدان أشعث ) وَ يلقب بـ ( كرمتيـه ) أو ( قرمطويـه ) لقب تميـز به لحمره في عينيـه وَ الكلمه بالنبطيـه تعني ( حاد العين ) وَ خففت لاحقاً الى ( قرمط ) وَ هُو من تنسب إليه الحركـه الباطنيـه القرمطيه ، فدعاهُ ابن ميمون الى مذهبـهُ ؛ وَ يُذكر أن عبدالله وَ حمدان قرمط كلاهُما كانا عارفيـن بعلم النجوم وَ من أهل الفلسفـه الذين عرفوا جميـع المذاهب وَ كذلك الشعوبي ( محمد بن الحسيـن الدندان ) الذي التقى فيه عبدالله بن ميمون في السجن كان حاذقاً بعلم النجُوم وَ قد رأى أنتقال المثلثـه من برج العقرب الدالـه على المله الى برج القـوس الدال على ديانة الفرس ( المقصُود الباطنيـه ) وَ من هُنا بدأت حركة تبشيرهُ بالدعوة السرية .
أما حمدان قرمط كما يذكـر ( أبي منصور البغدادي ) فنبطي من صابئة حران التِي عُرفت ديانتهُم بالتستُر وَ الكِتمان وَ التِي لا يَظهُروها إلا لمن كان منهُم وَ كانوا ممِن ينكرون الشرائع وَ يبجلون الفلاسفه كـ ( أفلاطون الإلهِي ) على وجه الخصُوص ، وَ صابئة حران معتَقداتِهُم كانت خليط من المُعتقد الكلداني أو المنسوب لبلاد الرافديـن القديم كتقديسهُم لـ الإله ( سين ) القمر وَ ( تاوز ) الذين كانوا يبكون عليـه على حادثة طَحِن ضلوعه في ( ١٥ تموز ) ، محتفظيِن بها جنباً إلى جنب مع لغتهُم السريانيـه ، ممتزجاً بخليط الثقافة المعرفية اليِونانية التِي أجتاحت حران بقوة خصوصاً الهرمسيـه وَ الأفلاطونيـه منها ، لكُونهُما تتناسبان مع بنُية الفكر الكلدانِي ؛ وَ لسبب معتقداتهُم المثالية التجسيدية قُرن أتُهام لهؤلاء الصابئه الحرانيُون بـ ( عباد أصنام . Idolaters ) حيث كانوا يبجلُون الهياكـل وَ الكواكب وَ يجسدوُنها ؛ وَ مراقبة الكواكِب وَ أرتباطها بحركات عالم الكُون وَ الفساد وَ أحداثهُ ظهر جلياً لاحقاً لدى الباطنيُون وَ القرامطة ، فتلمِيذ حمدان قرمط المدعُو ( ابوسعيـد الحسن بن بهرام الجنابي ) وَ ابنهُ ( ابوطاهر سليمان بن الحسـن الجنابي ) من ( جنابه ) بفارس وَ الذان تغلبا ناحية البحريـن على أهل القطيف وَ الأحساء وَ كانا كلاهُما فيلسوفان وَ لهُما علم بالنجوم ؛ هجَم ثانيهُما على الكعبـه في سنة كانت سنة ( تناثر النجوم ) (١٥٩) فقَد علل فعلـهُ بقولـهُ في قصيدةَ لهُ :
إذ طلع المريـخ في أرض بابل .. وَ قارنهُ النجمان فالحذر الحذر
السـتُ أنا المذكـور بالكُتب كلها .. الست أنا المبعوث في سورة الزمر !
وَ عن إنكار الشرائع لديهِم يذكر ( البغدادي ، الفرق بين الفرق ) رسالة ذات طابع صابئي حراني كانت مِن ( عبيدالله بن الحسين القيرواني ) الى ( سليمان الجنابي ) يذكـر فيه عن كشف الدعوه ( ... فمن آنست منهُ رشداً فأكشف لهُ الغطاء ، وَ إذا ظفرت بالفلسفي فأحتفظ به ، فعلى الفلاسفـه معُولنا ، وَ إنا و اياهُم مجمُعون على رد نواميـس الأنبياء وَ القول بقدم العالم ) .
أما نهاية وُجود القرامطه بساحل خليج فارس فينتهِي بعدما قتلت أمرأه من ( هيت ) ابوطاهر سليمان الجنابـي ، بعدها بدأت تضعف قوة القرامطه إلى أن تلاشت ، لكن أتباع القرامطه بنوا على قبر ( ابوسعيـد الحسـن بن بهرام ) طائر من جص وَ قالوا إذا طار هذا الطائر خرج ابوسعيـد وَ جعلوا عند القبر فّـرس وَ كانوا يصلُون عليـه (١٦٠) (١٦١) (١٦٢) أما الحركة الباطنيـه كانت تتخفى حيناً وَ تظهر حيناً أخر ، وَ قد ظهرت في أوج مراحلها في فارس مع الإسماعيليه النزاريـه بقيادة الحسن بن صباح وَ التي كانت نهايتها عند الأجتياح المغولي لفارس . وَ بذكر الباطنِية ينبغِي أن نرجع قليلاً الوراء حيث جذوُرٌها المُنبثقة من رجُل يُدعى ( ابي الخطاب الأسدي )
( الخطابيـه ) :
أتباع ( ابي الخطـاب محمد بن ابي زينب الأسدي ) من موالـي بني أسد وَ تلميـذاً مُقرباً للأمام جعفر الصادق ، وَ قد قال أن جعفر الصادق علمـهُ ( الأسم الأعظم ) وَ انهُ رأى جعفر الصادق على الحقيقـه ، حيث يروي أنهُ رأى جعفر الصادق في الحجر جالسـاً فقلت لهُ : ياسيـدي ارني نفسـك في عظمتـك وَ ملكُوتك ، فقال لهُ اباعبدالله : أولم تؤمـن ؟ قال : بلا لكـن ليطمئـن قلبي ، فبسـط يدهُ على الأرض فإذا السمـوات وَ الأرضون وَ الخلائق في قبضتـهُ ، وَ هذه الرؤيـه لأبي الخطاب ترفعـهُ عن باقي أصحاب الأمام الصادق وَ الباقر لأنهُ يُذكر عن ( عُمر بن حنظلـه ) وَ ( عمار الساباطي ) حيث الأول دخل على الأمام الباقر وَ الثاني على الأمام جعفر الصـادق أنهُما دخلا دار الأمام ليخبـراهُ عن سر الأسم الأعظم ؟ فوضـع الأمام يدهُ على الأرض فصار البيت يدور وَ أظلم فأرتعد فرائص كُل واحداً منها فقالا ( جعلت فداك حسبي لا أريـد ذا ! ) (١٦٣)
لذلك أدعى ابي الخطاب أن ( الأئمه ) آلهه وَ هُم أي ابي الخطاب وَ أتباعهُ ( ابناء الله وَ أحباؤهُ ) ؛ وَ هي رؤية كانت رائجة لدى فرق جعفريـه أخرى ، كأتباع ( السرى الأقصم ) الذين قالوا أن ( جعفر الصادق ) هُو الإسلام وَ الإسلام هو السلم وَ السلم هُو الله ( بذلك جعفر هُو الله ) وَ قالوا هم ( بنو الإسلام ) بمعنى ( أبناء الله وَ أحباؤهُ ) ؛ وَ قال ابي الخطاب أن جعفر الصادق ليس ذلك ما تراهُ ( الشيعه المُقصره ) وَ أن من يدركهُ بالنورانيـه فقط أهل ( الصفُوه ) ؛ أما أهل الجحُود يدركهُ بالبشريـه اللحمانيـه الدمويه ، وَ أن جعفر الصادق يتصور في أي صـوره شاء وَ يذكرون أن رجُلاً سأل ( جعفـر الصادق ) مسأله في المدينـه فأجابهُ فيها ثم أنصرف الى الكوفـه فسأل ( ابي الخطاب ) عن المسأله فقال أبي الخطاب : أولم تسألني عن هذه المسـأله في المدينه !
وَ كان من اتباعهُ ( بزيـغ الحائك ) وَ ( معمـر الاحمر ) ممِن يؤمنُون أن الله ( نور ) يدخـل أبدان الأوصياء فيحُل فيهُم وَ كان النور في جعفر الصادق فأخرجهُ الى بدن ابي الخطاب فصار جعفر الصادق من الملائكـه وَ عندما خرج النور من ابي الخطاب الى معُمر صار أبو الخطاب من الملائكه وَ هذا معنى أن ( النور ) يتناسـخ ، لذلك أتباع مُعمر كانوا يسجـدوُن اليه ؛ أما ( القوالب ) التي تسكنها هذه الروح لا تموت وَ لا تفنى وَ لا تخرب بل تتحول الى ملائكه وَ يرفعون الى السماء بإبدانهُم وَ أرواحهُم وَ قال توضع للناس أجساداً شبه أجسادهُم ، وَ أنهُم يرون أمواتهُـم بكرة وَ عشيـه ، لذلك قالوا عندما قتل ( عيسى بن موسى ) عامل ابوجعفر المنصـور في الكوفـه ابي الخطاب وَ أصحابه الـ ( ٧٠ ) قالوا أن من قتلهُم وَ حز رؤسهُم ابو جعفر المنصُور مُجرد أشباه وَ ليسوا حقيقـه !
وَ الخطابيـه وَ فرقها كانت من الفرق الأباحيـه ، فقد قالوا الفرائض رجال تجب طاعتهُم وَ المعاصي رجال تجب مخالفتهُم ، وَ أباحوا المحظورات كُلها من زنا ، لواط ، سرقـه ، شرب خمر وَ تركوا الصلاة وَ الزكاة وَ الصـوم وَ الحج وَ التي أعتبرها ( أغلال ) وَ قال " يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ " وَ قال مُعمر الأحمر أن ( الجنه ) النعمه وَ ( النار ) النقمـه وَ أن الدنيا لا تُفنى ، وَ هذا قول كان مُتعارف بين الغلاة منهُم السبئيـه الذين تكلموا بتناسـخ الأرواح ، الأدوار ، وَ الأكوار وَ التي ( القيامه ) لديهِم معناها خروج البدن وَ دخولهُ بدن أخر وَ البدن هُو الجنه وَ هو النار وَ قد نسبوا هذه العقائد بإنهُ تحدث بها ( جابر بن عبدالله الأنصـاري ) وَ ( جابر بن يزيد الجعفي ) ؛ وَ فِي المراسلة من ( عبيدالله القيرواني ) الى ( سليمان بن الحسن الجنابي القرمطي ) يقول : ( ... أوصيـك أن تدعوهُم الى القول بإنه قد كان قبل آدم بشر كثير فإن ذلك عُون على القول بقِـدم العالم ) (١٦٤) (١٦٥)
----------
١٥٧) مصدر رقم (٢١)
١٥٨) مصدر رقم (٤٥)
١٥٩) Man and His Symbols . Carl G . Jung
١٦٠) الأمامه و البصره . ابن بابويه القمي
١٦١) مصدر رقم (٤١)
١٦٢) مصدر رقم (٤٥)
١٦٣) مصدر رقم (٥٢)
١٦٤) مناقب آل أبي طالب ، جزء ٤ ، ص٢٠٤ ، ص٢٦٦
١٦٥) مصدر رقم (45)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق